روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | ذكرى عاشوراء شفاء للأمة الجريحة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > ذكرى عاشوراء شفاء للأمة الجريحة


  ذكرى عاشوراء شفاء للأمة الجريحة
     عدد مرات المشاهدة: 2383        عدد مرات الإرسال: 0

*** {وذكرهم بأيام الله}

في الوقت الذي يعتبر فيه البعض يوم عاشوراء مأتمًا وموعدًا لهياج الأحزان، ويعتبره آخرون موسمًا للأكل والغناء والرقص، يدرك أولو الألباب أنه يوم لإستحضار عظمة الله وقهره وغلبته، إحقاقه للحق وإبطاله للباطل، رحماته للمؤمنين وشفائه لصدورهم.. إنه يوم نجَّى الله فيه موسى ومن معه من فرعون.

وفرعون أبعد من أن يكون مجرد شخصية تاريخية.. إنه رمز للطغيان، للإنسان عندما يستعظم ملكه ويُصدق وعد الشيطان بأنه متحكم في العباد وأن عليهم أن يذلوا له فهم أنصاف بشر وهو نصف إله!

وإستضعاف فرعون لبني إسرائيل ليس قصة غابرة نحكيها تسلية، بل إنها الأكثر ذكرا في القرآن الكريم، والذي عرض لها من عدة جوانب، ففيها الإبتلاء العظيم المتطاول الذي وصفه رب العالمين بـ البلاء العظيم، إبتلاء يمتزج فيه قهر السلطان بالإضطهاد المجتمعي بالذلة والقلة وسلطان الكهنة وسحر التزييف.

يوم عاشوراء هو اليوم الذي تظل ذكراه حاضرة في عقول المصلحين والمجاهدين والمؤمنين الصابرين والقابضين على الجمر في كل زمان ومكان، فهم دومًا «أولى بموسى» من اليهود، كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم.

عاشوراء هو النقطة المضيئة في نهاية الطريق الصعب التي تُقوي العزائم، وتعين على المضي بصمود وصبر وتفاؤل، فالعاقبة للمتقين.. هي سنة الله التي لا تتغير.

عاشوراء هو اليوم الذي ماتت أجيال متتالية وهو في مخيلتها يقينًا بنصر الله، يقينا بـ«إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» حديث متفق عليه.

عاشوراء هو أحد أعظم أيام الله التي أمرنا بذكرها والتذكير بها، {وذكرهم بأيام الله}.. وإذا كانت الأيام كلها أيام الله، فمن بين هذه الأيام أيامًا حملت نعمًا كبرى، ووقائع عظيمة غيرت مجرى التاريخ ومسارات الأمم.. نذكرها لأن ذكرها يجدد الإيمان في قلوبنا ويعيد تنظيم الأمور في عقولنا، فلا تدهسنا ضغوط الواقع ورتابته، ولا يموت الأمل مختنقًا بأيدي المفسدين، لأن لله أيامًا يقذف فيها بالحق على الباطل فيدمغه.. لله أيامًا يُغرق فيها فرعون وجنده بعد سنين ممتدة من الإمهال والحِلم، ويرسل فيها الطوفان على قوم أمهلهم قرابة الألف عام، حتى وافاهم غضب الله فكأنهم لم يلبثوا فيها.. {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102].

وفي زمننا هذا نشهد قتلا وتعذيبا للمسلمين في بقاع كثيرة من العالم نتذكر بها فتنة مؤمني بني إسرائيل على يد فرعون الذي حكى القرآن الكريم توعده لهم: {قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف:127].

ونشهد تزييف وسائل الإعلام للأمور، وقلبها للحقائق، وسيطرتها على عقول الكثيرين، فنتذكر أن هذا أسلوب قديم وإن إختلفت أدواته: {فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ*إِنّ هَـَؤُلآءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ*وَإِنّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ*وَإِنّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء:52-55].

نرى تقديم معلومات مغلوطة لتشويه الصالحين وسلب وعي الجماهير: {قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ} [طه:63].

ونرى تنفير الناس من أهل الصلاح ودعاته بأمور سطحية، وإظهار التفوق المادي المزعوم: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ*أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ*فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ*فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف:51-54].

ونرى تطاول العذاب على المستضعفين: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:129].

لذا فإن صيام عاشوراء والشعور بالقرب من موسى عليه السلام ومن معه، وإستحضار معاني تنجية الله العظيم لهم، وإغراقه لفرعون وجنده خير معين للسائرين على دربهم، وشفاء للقلوب المتعبة بالآلام بأن الامل في الله لا ينقطع، بيده الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء، وأن الأرض له يورثها من يشاء من عباده ليس مكافأة وإنما اختبار جديد بالتمكين وإستخلاف يجب أن يكونوا أهلا له.

الكاتب: مي عباس.

المصدر: موقع رسالة المرأة.